تحليل قصيدة( وصف إيوان كسرى للبحتري )
مناسبة النص :
كانت " المدائن" عاصمة بلاد الفرس قبل أن يفتحها المسلمون و كان مقر الملك ويسمى " القصر الأبيض "و في وسطه "إيوان كسرى" و هي قاعة كان يجلس فيها . وعلى جدرانها دارت معركة إنطاكية بين الفرس و الروم . وقد أصبح هذا القصر من الآثار الرائعة بعد زوال دولة الفرس . و قد كان البحتري الشاعـــــر المقرب لدى الخليفة العباسي المتوكل، وعندما قتل حزن عليه و رثاه فضاق به ابن المتوكل الذي كانت له يد في قتل أبيه ،و شعر منه بجفوة و فترت العلاقـــة بينهما فامتلأت نفس البحتري هماً و ذهب إلى المدائن في رحلة يسلي بها نفسه ، فوقف أمام قصور الفرس الشاهدة على تلك الموقعة , واخذ يصفها وصفا حسياً رائعاً ،ثم يبيّن تاريخهم وعظمتهم ، وهذه القصيدة تقع في ست وخمسين بيتــــاً جاءت على وزن ( البحر الخفيف ) وقافيتها سينية ، وسأقوم بتحليل الأبيات العشر الأولى منها .
صنت نفسي عما يدنس نفسي وترفعت عن جدا كل جبس
المتنعم في هذه القصيدة يجد أن قافيتها ( سينية ) ، وهذا أن دل على شيء فانه يدل على الحالة النفسية التي عاشها البحتري جراء الألم الذي أصابه من قتل المتوكل ، وهنا نلمح حرف السين جاء مكسوراً والكسر يعبر عن نفسية متألمة منكسرة وهي تلك الحالة التي تكتنف البحتري ،يبدأ البيت بـ ( صنت نفسي عما يدنس نفسي ) ونجد هنا إشارات للحكمة التي تحلى بها الشاعر في هذا الموقف الجلل ، وذكر( صنت ) وهو فعل ماضي والصون هنا تعني الوقاية والحفظ مما قد يدنس نفسه ، وجاءت ( نفسي ) لتدل عمّا يجيش داخله ، واستخدم ( ترفع) لتعني تجنبه كل من ليس لديه روح قصد هنا الجمود التي والبرود في قتل المتوكل .
وتماسكت حيــن زعزني الدهر التماساً منه لتعسي ونكسي
تماسكت أي ثبت وصمدت عندما حلت بي تلك المصيبة ، والتماسك دلالة على الترابط والقوة ، واستخدم الفعل ( زعزع ) ليدل على أن هذا الدهر حرّكه بشدة ، والمتنعم في تركيب هذا الفعل ( زعزع ) يلمح القوة في حروفه ( الزاي والعين ) وهذا ينبيء عن حالته النفسية التي ما زالت تكتنفه في هذه الأبيات ، وأورد لفظتي ( التعس والنكس ) إذ نجد أن السين قد وردت بهما لتوحي بتلك الحالة من التعب وأنها جاءت أيضا مكسورة دلالة على الألم والحسرة ، فهذا المصاب العظيم على الرغم من الحسرة والألم إلا انه تماسك وثبت ولم يضعف أو يستكين على الرغم من انه كان تعيساً ومنكساً ، والفعل المضارع ( تماسك ) نلمح فيه به المد والذي يوحي بشيء من الراحة التي قد تناسب هذا الفعل .
بلغ من صبابة العيش عنـــدي طففتها الأيام بطفيف بخس
بدأ البيت بــ ( بلغ ) والذي يعني الوصول إلى الغاية ، وكأن به يقول أن هذا الألم بفقدان ( المتوكل ) قد وصل به إلى غاية يكاد لا يهمه شيء في هذه الحياة ، وصبابة العيش أي شوقه للحياة لم يعد يهمه ، طففتها أي قللت من شأنها هذه الأيام ونقّصتها ، والأيام هنا جمع تكسير مفردها يوم ، ونستطيع أن نلمح استخدامه للفظة الأيام والتي هي جمع تكسير مناسبة للحالة النفسية المنكسرة التي يعيشها ومازالت تسيطر عليه في هذه الأبيات ، وكذلك الألفاظ ( العيش ، عندي ، طفيف ، بخس ) كلها جاءت مكسورة .
وبعيـــد ما بين وارد رفــه علل شربه ووارد حمـــس
الوارد تعني الطريق ، ورفه النعمة والرزق ، حمس الشدة ، يصور هنا حالته وهو (بعيد ) إذ قدّم الحال ليؤكد على البعد والضياع ما بين ـــ ظرف مكان ــ طريق نعمة ورزق وطريق شدة ، وهذا التناقض والتضارب ينبيء عن الحالة النفسية المتألمة التي يعاني منها شاعرنا ، واستخدم هنا ( وارد )وهي اسم فاعل ، واسم الفاعل هنا فيه تحرر من الزمن وفي استخدامه لــ ( رفه وشربه ) نجد أنها تنتهي بالهاء والهاء هنا فيها تنفيس عن المشاعر المكبوتة في داخله .
وكأن الزمان أصبح محمــو لاً هواه مع الأخـــس الأخــس
هنا يستخدم التشبيه من خلال أداة التشبيه ( كأنّ ) إذ يصور الزمان بأن هواه أصبح رديئاً سيئاً لا يطاق تحمله ، ونلاحظ التشديد في ( كأنّ ) ملازم لنفسية الشاعر والقسوة التي يعاني منها ، واستخدم جملة ( أصبح محمولاً ) إذ جاء اسم أصبح ضميراً مستتراً يعود على الزمان ليلفت الانتباه إلى الزمان ، وفي ( أصبح ) التي همزتها همزة قطع إشارة إلى الاحتباس والاختناق ، وهي صدى لمشاعره النفسية الملمة به ، وكرّر لفظة ( الأخس ) مرتين ، والتكرار هنا جاء لفائدة التأكيد على الحال وصفة ذاك الهوا ، كما أنها جاءت مكسورة لتناسب حال وشعور الشاعر المنكسرة .
واشترائـــي العراق خطة غبن بعد بيعي الشام بيعة وكــس
استخدم هنا مصدر ( اشتراء ) وهو مصدر صريح دل على حدث الشراء ، ويذكر هنا الشاعر في هذا البيت كلٌ من ( العراق والشام ) ليبيّن لنا أن هذه ( المدائن ) وهي التي تشكل الجو العام لهذه القصيدة كانت في العراق ، لأنها كانت جزءاً من إمبراطورية الفرس ، وفي ذكره للشام دلالة على أن هذه البلاد كانت تخضع لسيطرة الروم ، وفي هذا إشارة واضحة إلى معركة إنطاكية التي دارت بين الفرس والروم ، وان هذا ( الإيوان ) أصبح من الآثار البارزة بعد زوال دولة الفرس ، ونلمح هنا كيف وظّف الشاعر البيئة توظيفاً رائعاً ، اشتراء وبيع فيها تضاد (طباق) وهي أيضا مصادر ، والناظر إلى لفظة ( وكس ) نجد قوة هذه الحروف ( الواو والكاف والسين ) وتنوع مخارجها ، إضافة إلى أنها جاءت مكسورة .
لا تـــرزني مزاولاً لاختباري عند هذي البلوى فتنكر مسي
يستخدم هنا الشاعر لا الناهية قبل الفعل المضارع ليدل على قلب زمن المضارع، واستخدم اسم الفاعل ( مزاول ) وفيه تحرر من الزمن ، والمزاولة تعني الممارسة هنا نلحظ المد في ( مزاول) قد يكون هنا الشاعر قد بدأ يتحرر شيئاً فشيئاً من حالته النفسية التي مرت به في الأبيات السابقة جراء مقتل المتوكل , واستخدم ( هذي ) بدلاً من (هذه ) لتدل على عظمة هذه البلوى ، ونلحظ المد كذلك في ( هذي ) وبها دفعة وقوة ، وذكر ( البلوى ) ولم يذكر على سبيل المثال ( مصيبة ) حتى تنسجم مع الحالة التي تكتنفه .
وقديـــماً عهدتني ذا هنات آبيـــات على الدنيئات شمس
يقدم هنا ظرف الزمان ( قديماً ) ليبين كيف كان هذا الشاعر قبل هذه الحادثة وما كان يتمتع به من صبر وقوة وجلد ، عهدتني أي الفتني وما كنت عليه ، والهنات تعني الشرور والفساد ، آبيات أي مترفعات ، الدنيئات من الدناوة أو الدناءة أي النقص ، ونلحظ استخدامه لجمع المؤنث السالم ( هنات ، آبيات , دنيئات ) والتي تنتهي كل منها بألف وتاء ، فالمد هنا يلعب دوراً حسياً نفسياً ، ونجد الشاعر هنا بدأ يرتاح قليلاً ممّا كان يشعر به في الأبيات الآنفة الذكر ، ولفظة الشمس هنا جاءت لتدل على الوضوح والجلاء .
ولقــد رابنــي نبوّ ابن عمي بعــد لين من جانبيه وأنس
استخدم هنا (قد ) قبل الفعل الماضي ( راب) والذي يفيد التوكيد والتحقيق ، وراب مأخوذة من الريبة والشك ، إذ يمكننا أن نلحظ المد في ( راب) وبه تفريغ عمّا يجيش في داخلة ، ونلمح أيضا استخدام همزة الوصل في ( ابن عمي ) للربط، وهنا يشير إلى ما أصاب المتوكل من أعدائه وخاصة ابنه المنتصر الذي كان سبباً في قتله ، ( لين وانس ) طباق وتضاد .
وإذا ما جفيت كنت حريــــاً إن أرى غيـــر مصبح حيث أمسي
ما زال يذكر ( جفاء ) أي بعد ابن المتوكل له ، ويستخدم هنا أداة الشرط وفعلها ( ما جفيت ) وجوابها ( كنت حرياً ) ، وفي ذكره للجفاء أي البعد القاسي الذي كان يعاني منه الشاعر ، ويستخدم هنا الجملة الاسمية المكونة من ( كنت حرياً ) والجمل الاسمية كما هو متعارف عليه أنها تدل على الثبات ، كلمة ( حرياً ) تعني جديراً بالشيء ، وحرياً نستشف من هذا اللفظ التحرر ، الحرية ، لان الحاء هنا فيها معنى التحرر والانطلاق والراحة وقد يكون هذا ما يعكسه لنا الشاعر ، ( أن ، أرى ) جاء المفعول به على صيغة المصدر المؤول وكأنه يريد التركيز على الرؤيا ، والرؤيا هنا ترمز إلى بعد النظر ، ويشر الشطر الثاني من هذا البيت إلى إيمانه بفكرة ( الموت ) ، ( مصبح ) اسم فاعل فيه تجرد من الزمن ، ( حيث أمسي ) هنا حيث ظرف زمان تشير إلى فترة زمنية ما بين المساء والصباح ، والمساء والصباح طباق ، وكثرة الطباق هنا ترمز إلى حالة ـــ كما أشرنا سابقاً ـــ من التناقض والتضارب الناجمة عن النفسية المحطمة للشاعر . الشرح
مناسبة النص :
كانت " المدائن" عاصمة بلاد الفرس قبل أن يفتحها المسلمون و كان مقر الملك ويسمى " القصر الأبيض "و في وسطه "إيوان كسرى" و هي قاعة كان يجلس فيها . وعلى جدرانها دارت معركة إنطاكية بين الفرس و الروم . وقد أصبح هذا القصر من الآثار الرائعة بعد زوال دولة الفرس . و قد كان البحتري الشاعـــــر المقرب لدى الخليفة العباسي المتوكل، وعندما قتل حزن عليه و رثاه فضاق به ابن المتوكل الذي كانت له يد في قتل أبيه ،و شعر منه بجفوة و فترت العلاقـــة بينهما فامتلأت نفس البحتري هماً و ذهب إلى المدائن في رحلة يسلي بها نفسه ، فوقف أمام قصور الفرس الشاهدة على تلك الموقعة , واخذ يصفها وصفا حسياً رائعاً ،ثم يبيّن تاريخهم وعظمتهم ، وهذه القصيدة تقع في ست وخمسين بيتــــاً جاءت على وزن ( البحر الخفيف ) وقافيتها سينية ، وسأقوم بتحليل الأبيات العشر الأولى منها .
صنت نفسي عما يدنس نفسي وترفعت عن جدا كل جبس
المتنعم في هذه القصيدة يجد أن قافيتها ( سينية ) ، وهذا أن دل على شيء فانه يدل على الحالة النفسية التي عاشها البحتري جراء الألم الذي أصابه من قتل المتوكل ، وهنا نلمح حرف السين جاء مكسوراً والكسر يعبر عن نفسية متألمة منكسرة وهي تلك الحالة التي تكتنف البحتري ،يبدأ البيت بـ ( صنت نفسي عما يدنس نفسي ) ونجد هنا إشارات للحكمة التي تحلى بها الشاعر في هذا الموقف الجلل ، وذكر( صنت ) وهو فعل ماضي والصون هنا تعني الوقاية والحفظ مما قد يدنس نفسه ، وجاءت ( نفسي ) لتدل عمّا يجيش داخله ، واستخدم ( ترفع) لتعني تجنبه كل من ليس لديه روح قصد هنا الجمود التي والبرود في قتل المتوكل .
وتماسكت حيــن زعزني الدهر التماساً منه لتعسي ونكسي
تماسكت أي ثبت وصمدت عندما حلت بي تلك المصيبة ، والتماسك دلالة على الترابط والقوة ، واستخدم الفعل ( زعزع ) ليدل على أن هذا الدهر حرّكه بشدة ، والمتنعم في تركيب هذا الفعل ( زعزع ) يلمح القوة في حروفه ( الزاي والعين ) وهذا ينبيء عن حالته النفسية التي ما زالت تكتنفه في هذه الأبيات ، وأورد لفظتي ( التعس والنكس ) إذ نجد أن السين قد وردت بهما لتوحي بتلك الحالة من التعب وأنها جاءت أيضا مكسورة دلالة على الألم والحسرة ، فهذا المصاب العظيم على الرغم من الحسرة والألم إلا انه تماسك وثبت ولم يضعف أو يستكين على الرغم من انه كان تعيساً ومنكساً ، والفعل المضارع ( تماسك ) نلمح فيه به المد والذي يوحي بشيء من الراحة التي قد تناسب هذا الفعل .
بلغ من صبابة العيش عنـــدي طففتها الأيام بطفيف بخس
بدأ البيت بــ ( بلغ ) والذي يعني الوصول إلى الغاية ، وكأن به يقول أن هذا الألم بفقدان ( المتوكل ) قد وصل به إلى غاية يكاد لا يهمه شيء في هذه الحياة ، وصبابة العيش أي شوقه للحياة لم يعد يهمه ، طففتها أي قللت من شأنها هذه الأيام ونقّصتها ، والأيام هنا جمع تكسير مفردها يوم ، ونستطيع أن نلمح استخدامه للفظة الأيام والتي هي جمع تكسير مناسبة للحالة النفسية المنكسرة التي يعيشها ومازالت تسيطر عليه في هذه الأبيات ، وكذلك الألفاظ ( العيش ، عندي ، طفيف ، بخس ) كلها جاءت مكسورة .
وبعيـــد ما بين وارد رفــه علل شربه ووارد حمـــس
الوارد تعني الطريق ، ورفه النعمة والرزق ، حمس الشدة ، يصور هنا حالته وهو (بعيد ) إذ قدّم الحال ليؤكد على البعد والضياع ما بين ـــ ظرف مكان ــ طريق نعمة ورزق وطريق شدة ، وهذا التناقض والتضارب ينبيء عن الحالة النفسية المتألمة التي يعاني منها شاعرنا ، واستخدم هنا ( وارد )وهي اسم فاعل ، واسم الفاعل هنا فيه تحرر من الزمن وفي استخدامه لــ ( رفه وشربه ) نجد أنها تنتهي بالهاء والهاء هنا فيها تنفيس عن المشاعر المكبوتة في داخله .
وكأن الزمان أصبح محمــو لاً هواه مع الأخـــس الأخــس
هنا يستخدم التشبيه من خلال أداة التشبيه ( كأنّ ) إذ يصور الزمان بأن هواه أصبح رديئاً سيئاً لا يطاق تحمله ، ونلاحظ التشديد في ( كأنّ ) ملازم لنفسية الشاعر والقسوة التي يعاني منها ، واستخدم جملة ( أصبح محمولاً ) إذ جاء اسم أصبح ضميراً مستتراً يعود على الزمان ليلفت الانتباه إلى الزمان ، وفي ( أصبح ) التي همزتها همزة قطع إشارة إلى الاحتباس والاختناق ، وهي صدى لمشاعره النفسية الملمة به ، وكرّر لفظة ( الأخس ) مرتين ، والتكرار هنا جاء لفائدة التأكيد على الحال وصفة ذاك الهوا ، كما أنها جاءت مكسورة لتناسب حال وشعور الشاعر المنكسرة .
واشترائـــي العراق خطة غبن بعد بيعي الشام بيعة وكــس
استخدم هنا مصدر ( اشتراء ) وهو مصدر صريح دل على حدث الشراء ، ويذكر هنا الشاعر في هذا البيت كلٌ من ( العراق والشام ) ليبيّن لنا أن هذه ( المدائن ) وهي التي تشكل الجو العام لهذه القصيدة كانت في العراق ، لأنها كانت جزءاً من إمبراطورية الفرس ، وفي ذكره للشام دلالة على أن هذه البلاد كانت تخضع لسيطرة الروم ، وفي هذا إشارة واضحة إلى معركة إنطاكية التي دارت بين الفرس والروم ، وان هذا ( الإيوان ) أصبح من الآثار البارزة بعد زوال دولة الفرس ، ونلمح هنا كيف وظّف الشاعر البيئة توظيفاً رائعاً ، اشتراء وبيع فيها تضاد (طباق) وهي أيضا مصادر ، والناظر إلى لفظة ( وكس ) نجد قوة هذه الحروف ( الواو والكاف والسين ) وتنوع مخارجها ، إضافة إلى أنها جاءت مكسورة .
لا تـــرزني مزاولاً لاختباري عند هذي البلوى فتنكر مسي
يستخدم هنا الشاعر لا الناهية قبل الفعل المضارع ليدل على قلب زمن المضارع، واستخدم اسم الفاعل ( مزاول ) وفيه تحرر من الزمن ، والمزاولة تعني الممارسة هنا نلحظ المد في ( مزاول) قد يكون هنا الشاعر قد بدأ يتحرر شيئاً فشيئاً من حالته النفسية التي مرت به في الأبيات السابقة جراء مقتل المتوكل , واستخدم ( هذي ) بدلاً من (هذه ) لتدل على عظمة هذه البلوى ، ونلحظ المد كذلك في ( هذي ) وبها دفعة وقوة ، وذكر ( البلوى ) ولم يذكر على سبيل المثال ( مصيبة ) حتى تنسجم مع الحالة التي تكتنفه .
وقديـــماً عهدتني ذا هنات آبيـــات على الدنيئات شمس
يقدم هنا ظرف الزمان ( قديماً ) ليبين كيف كان هذا الشاعر قبل هذه الحادثة وما كان يتمتع به من صبر وقوة وجلد ، عهدتني أي الفتني وما كنت عليه ، والهنات تعني الشرور والفساد ، آبيات أي مترفعات ، الدنيئات من الدناوة أو الدناءة أي النقص ، ونلحظ استخدامه لجمع المؤنث السالم ( هنات ، آبيات , دنيئات ) والتي تنتهي كل منها بألف وتاء ، فالمد هنا يلعب دوراً حسياً نفسياً ، ونجد الشاعر هنا بدأ يرتاح قليلاً ممّا كان يشعر به في الأبيات الآنفة الذكر ، ولفظة الشمس هنا جاءت لتدل على الوضوح والجلاء .
ولقــد رابنــي نبوّ ابن عمي بعــد لين من جانبيه وأنس
استخدم هنا (قد ) قبل الفعل الماضي ( راب) والذي يفيد التوكيد والتحقيق ، وراب مأخوذة من الريبة والشك ، إذ يمكننا أن نلحظ المد في ( راب) وبه تفريغ عمّا يجيش في داخلة ، ونلمح أيضا استخدام همزة الوصل في ( ابن عمي ) للربط، وهنا يشير إلى ما أصاب المتوكل من أعدائه وخاصة ابنه المنتصر الذي كان سبباً في قتله ، ( لين وانس ) طباق وتضاد .
وإذا ما جفيت كنت حريــــاً إن أرى غيـــر مصبح حيث أمسي
ما زال يذكر ( جفاء ) أي بعد ابن المتوكل له ، ويستخدم هنا أداة الشرط وفعلها ( ما جفيت ) وجوابها ( كنت حرياً ) ، وفي ذكره للجفاء أي البعد القاسي الذي كان يعاني منه الشاعر ، ويستخدم هنا الجملة الاسمية المكونة من ( كنت حرياً ) والجمل الاسمية كما هو متعارف عليه أنها تدل على الثبات ، كلمة ( حرياً ) تعني جديراً بالشيء ، وحرياً نستشف من هذا اللفظ التحرر ، الحرية ، لان الحاء هنا فيها معنى التحرر والانطلاق والراحة وقد يكون هذا ما يعكسه لنا الشاعر ، ( أن ، أرى ) جاء المفعول به على صيغة المصدر المؤول وكأنه يريد التركيز على الرؤيا ، والرؤيا هنا ترمز إلى بعد النظر ، ويشر الشطر الثاني من هذا البيت إلى إيمانه بفكرة ( الموت ) ، ( مصبح ) اسم فاعل فيه تجرد من الزمن ، ( حيث أمسي ) هنا حيث ظرف زمان تشير إلى فترة زمنية ما بين المساء والصباح ، والمساء والصباح طباق ، وكثرة الطباق هنا ترمز إلى حالة ـــ كما أشرنا سابقاً ـــ من التناقض والتضارب الناجمة عن النفسية المحطمة للشاعر . الشرح